Back to Home العربية
NYU Pathfinders logo
الانتقال إلى الطاقة الخضراء: ألمانيا

خطة ألمانيا للانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون وخالٍ من الطاقة النووية

5 يونيو 2023
تأليف: روشني مينون

أقدمت ألمانيا، منذ عام 2010، على تنفيذ خطة انتقالٍ طويل الأجل في مجال الطاقة للتحوّل إلى اقتصاد محايد مناخياً بحلول عام 2045. تُعرَف الخطة باسم Energiewende، وتنطوي على أوجه اقتصادية وإيكولوجية واسعة النطاق. وألمانيا سبّاقة في الدفع نحو الاقتصاد الأخضر من خلال تعزيز السياسات البيئية الخضراء واعتماد استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة.

أطلقت ألمانيا، في عام 2010، خطة طموحة باسم Energiewende (“تحوّل مسار الطاقة”) بهدف زيادة كفاءة منظومة الطاقة، وتزويدها بالدرجة الأولى بمصادر متجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية. وقد نشأت هذه الخطة، إلى حدّ ما، عن حراكات شعبية مناهضة للطاقة النووية وداعمة لحماية البيئة.

وكرّست ألمانيا الالتزام بالخطة في قانون تغير المناخ، الذي يحدّد هدفَين وسيطَين، الأول لعام 2030 (خفض الانبعاثات بنسبة 65 في المائة عن مستويات عام 1990)، والثاني لعام 2040 (خفض الانبعاثات بنسبة 88 في المائة على الأقل). وبحلول عام 2045، تعتزم ألمانيا جعل رصيدها من الانبعاثات سلبياً، وذلك باستخدام بالوعات طبيعية، كالأشجار والتربة، لإزالة غازات الدفيئة بقدر يزيد عن إنتاجها لها. وتتألف الخطة من ركيزتَين:

  1. الإسراع بالتخلص من الطاقة النووية، ونشر تقنيات صديقة للمناخ: من المتوقع، بحلول عام 2045، أن تساهم الطاقة المتجددة بنسبة 60 في المائة من مجموع الاستهلاك النهائي للطاقة، و80 في المائة من مجموع استهلاك الكهرباء.1
  2. زيادة كفاءة الطاقة: يستلزم ذلك الحد من استهلاك الطاقة الأولية بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2020، وبنسبة 50 في المائة بحلول عام 2050 (مقارنة بمستويات عام 2008).

تهدف الخطة، عبر هاتَين الركيزتَين، إلى توفير عدد كبير من الوظائف: تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 371,000 فرصة عمل في صناعة الطاقة المتجددة قد استُحدثت في الفترة بين اعتماد الخطة وعام 2013 .2 وتشير تقديرات أخرى إلى أن 230,000 وظيفة جديدة ستُستحدث في هذا القطاع وحده بحلول عام 2050 .3 وعلى الرغم من التوافق العام على أن صناعة الطاقة المتجددة وحدها وفّرت نحو 300,000 وظيفة، لم تُسجّل تغيرات كبيرة في عدد الوظائف في بعض قطاعات الطاقة المتجددة (الكتلة الحيوية، والطاقة الكهرومائية، والطاقة الحرارية الأرضية).

التنفيذ

تعتمد خطة Energiewende في ألمانيا هيكلية لامركزية، تؤدي فيها البلديات والصناعات الكبيرة النطاق والمشاريع الصغيرة والمتوسطة دوراً هاماً.4 ويحدّد قانون تغير المناخ أهدافاً سنويّة لخفض الانبعاثات على نطاق الاقتصاد بأكمله، وكذلك أهدافاً متوسطة وطويلة الأجل في جميع قطاعات الاقتصاد: الطاقة والبناء والنقل والصناعة والزراعة.

تخضع اتجاهات الانبعاثات والانتقال في مجال الطاقة إلى عملية رصد سنوية، وتقاس إزاء الأهداف المناخية المفترضة، ويفضي الرصد إلى عمليات مراجعة منتظمة للسياسات والأهداف.5 تقود العمليةَ الوزارة الفدرالية للشؤون الاقتصادية والطاقة. وعلاوة على تقرير الحكومة، تنشر لجنة مستقلة رأياً علمياً لأربعة خبراء مرموقين في مجال الطاقة، يبحث في اتجاهات انبعاثات غازات الدفيئة، ويقيّم عمل الحكومة، ويقترح إجراءات إضافية لسد الفجوات في التخطيط أو التنفيذ. صدر آخر تقرير في عام 2021، 6 ويُتوقع أن يصدر التقرير القادم في عام 2023 في صيغة محدّثة ومكيّفة.

التكلفة

تبرز صعوبات حقيقية في تقييم تكلفة الانتقال في مجال الطاقة: فمجموع الأموال المنفقة على المصادر المتجددة وعلى التخلص من الطاقة النووية لا يعبّر إلّا عن الاحتياجات الاستثمارية للانتقال في مجال الطاقة. لذلك، لا بدّ للقياس الحقيقي أن يأخذ في الحسبان الوفورات المتوقعة، ويقتضي ذلك، لا محالة، إجراء مقارنة مع سيناريو افتراضي، أي لأثر عدم تنفيذ ألمانيا للخطة أصلاً. إلّا أن تقدير المكاسب الاقتصادية يكاد يكون مستحيلاً، لأن عوامل لا تعدّ ولا تُحصى تحدّدها. ولذلك صرّحت الحكومة الألمانية، في مطلع عام 2018، بأن التكلفة الحقيقية للخطة لا تزال مجهولة.7 ويمكن الرجوع إلى هذا الموقع للاطلاع على المزيد من المعلومات بشأن الانتقال في مجال الطاقة في ألمانيا.

التقييم

ألمانيا في نظر العديد من مناصري البيئة هي مثال يُقتدى به لدولة صناعية قرّرت التخلي عن الوقود الأحفوري من دون التضحية بالنمو الاقتصادي. وبعبارة أخرى، ما تسعى ألمانيا إليه هو فكّ ارتباط النمو الاقتصادي باستهلاك الطاقة. وبالمقابل، يجادل منتقدو هذه السياسات بأن تجربة ألمانيا تؤكد أن الانتقال في مجال الطاقة يأتي بتكلفة مرتفعة على المستهلكين والقطاعات الصناعية، ولا يؤدي تلقائياً إلى انخفاض في انبعاثات الكربون.

ومن المرجح أن تكون ألمانيا قد بلغت معظم غاياتها في مجالَي الطاقة والعمل المناخي في عام 2020، ولكن ذلك أيضاً قد يكون نتيجة أثر “البرود الاقتصادي” الذي خلفته جائحة كوفيد-19. 8 فبعد أن كانت الانبعاثات قد انخفضت في ألمانيا بنسبة 38.7 في المائة عمّا كانت عليه في عام 1990، كادت نسبة الانخفاض تصل إلى 41 في المائة في عام 2020. إلا أن هذا الاتجاه تغيّر بعد ذلك. ففي عام 2021، تزايدت انبعاثات غازات الدفيئة من ألمانيا بنحو خمسة في المائة عمّا كانت عليه في العام السابق بسبب التعافي المتوقع بعد الإغلاقات الاقتصادية المتكررة من جراء موجات تفشي كوفيد-19. وبعد أزمة الطاقة في عام 2022، التي فاقمها الغزو الروسي لأوكرانيا وتخلُّص ألمانيا نهائياً من استخدام الطاقة النووية، تزايد استخدام ألمانيا للفحم، لتزداد الانبعاثات المتوقّعة في عام 2022 .9 وعلى الرغم من هذه الاتجاهات، كان البلد قد تخلى نهائياً عن الطاقة النووية بحلول نهاية عام 2022.

وثمة مجالات تتطلب مزيداً من التحسن. فالانبعاثات من الشاحنات وسيارات الركاب تستعصي على الانخفاض بينما يتباطأ كلٌّ من التحول إلى المصادر المتجددة للطاقة وتوسيع الشبكة. ومع ذلك، تشير التوقعات إلى أن استخدام التكنولوجيا البيئية في ألمانيا سيزيد أربع مرات خلال السنوات المقبلة، ليصل إلى 16 في المائة من إنتاج الصناعات التحويلية بحلول عام 2030، ويزيد عدد الأيدي العاملة فيه على مجموع الأيدي العاملة في صناعة السيارات وصناعة الأدوات الآلية مجتمعتَين.10

والواقع أن خطة “تحول مسار الطاقة” أثّرت تأثيراً بالغاً على إيجاد فرص العمل في قطاع الطاقة. وعلى الرغم من فقدان حوالي 100,000 وظيفة، ولا سيما في قطاع الطاقة الشمسية، عمل صانعو السياسات على زيادة جاذبية ألمانيا كموقع للإنتاج، فحققوا تغييراً هيكلياً يُعدّ أساسياً للإنصاف في التحول، فزاد عدد فرص العمل الجديدة على عدد الوظائف المفقودة، وبلغ عدد الفرص الجديدة في قطاع مصادر الطاقة المتجددة منذ اعتماد الخطة حوالي 371,000 بحلول عام 2013 .11 وبيّن تحليل إقليمي أن التوظيف في قطاع مصادر الطاقة المتجددة موزع على نحو يقارب المساواة في جميع أنحاء ألمانيا.12

وبيّنت دراسة حديثة أنه، بشكل عام، سترتفع قيمة قطاع صناعة السيارات الألمانية وتزيد فرص العمل فيه في عام 2030، إذا ما نفّذت ألمانيا التغييرات الهيكلية بوتيرة طموحة. تتطلب هذه الوتيرة عاملين من ذوي المهارات في جميع القطاعات، ولا سيما قطاع البناء.13 ولذلك، اعتمدت ألمانيا نهجاً متكاملاً إزاء زيادة فرص العمل، إذ جرى التشديد على التعليم التقني والتدريب المهني، علاوة على التعليم المدرسي الأساسي والتنمية المهنية المتواصلة. والغاية من هذا النهج هي تحسين مهارات الأجيال الشابة بما يلبي المتطلبات المتزايدة التي تفرضها قطاعات الاقتصاد الأخضر.14

وأخيراً، وعلى الرغم من تقدم ألمانيا من حيث وضع المعايير البيئية وتنفيذها، حتى على أقرانها في الاتحاد الأوروبي، تسببت نتائج الانتخابات العامة في عام 2021، مقرونةً بالغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، بتحول في المشهد السياسي المحيط بالانتقال في مجال الطاقة في ألمانيا. أدى هذا التحول إلى تنازلات أبطأت من زخم هذا الانتقال، مثل دعم خطط الحكومة لبناء مجموعة من محطات الغاز الطبيعي المسال على الساحل الشمالي في ألمانيا، وإعادة تفعيل مصانع فحم كانت قد جُمّدت، وتمديد حياة بعض المفاعلات النووية، والتعجيل بالموافقة على بعض مشاريع البنى التحتية التي لا تنحصر بمزارع طاقة الرياح، بل تشمل أيضاً، وبناء على طلب الحزب الديمقراطي الحر، 144 خطة لشق طرق عبر ألمانيا.15

المراجع

وسوم