Back to Home العربية
NYU Pathfinders logo
الحكم الذاتي للسكان الأصليين: كندا

أقرَّ دستور كندا حق مجموعات السكان الأصليين في الحكم الذاتي

6 يونيو 2023
تأليف: أماندا لنهاردت

بعد مضيِّ أكثر من قرن من الحكم الاستعماري المفروض، اعترفت كندا في عام 1982 بحق أصيل تملكه الشعوب الأصلية في الحكم الذاتي. وقد تلا هذا الاعتراف اتفاقات نصّت على أحكام الحكم الذاتي والإدارة المشتركة مع حكومات أخرى. ففي جميع أنحاء كندا 25 اتفاقية حكم ذاتي، واتفاقيتان في القطاع التعليمي، وحوالى 50 مفاوضات جارية. فكثيرة هي الجماعات التي تنظر إلى الحكم الذاتي كوسيلة من أجل الحفاظ على الثقافة واستعادة السيطرة على الأرض والموارد والممارسات.

في عام 1982، سنّت الحكومة الكندية دستوراً جديداً يكفل استقلالها الدستوري عن المملكة المتحدة، وأقرَّت في المادة 35 من هذا الدستور حق الأصيل للشعوب الأصلية في الحكم الذاتي. ولكنّ هذا الحق الأصيل لا يرسي أسس السيادة، بل يهدف إلى تعزيز مشاركة الشعوب الأصلية في الاتحاد الكندي، ويضمن ألاّ تعيش هذه الشعوب وحكومتها في عزلة وتقوقع وابتعاد خارج مكوِّنات المجتمع الكندي.1

التنفيذ

لقد تحقَّق اعتماد الحق في الحكم الذاتي وإنفاذه نتيجة سنوات من الجهود والتحديات القانونية التي كافحت لأجلها جماعات أصلية كندية مختلفة. فالحق حقٌّ قائمٌ من حيث المبدأ، إنّما يتعيَّن على المجموعات الانخراط في مفاوضات معقدة وطويلة في كثير من الأحيان تطالب فيها بمعاهدة تعترف بحقها في الحكم الذاتي. فالحكومة الاتحادية هي التي تتحكم في منح الحق بالحكم الذاتي، أمّا عبء الإثبات فيقع على جماعات السكان الأصليين لإقناع الحكومة بأن المطالبة بهذا الحق محقَّةٌ وذات مصداقية.2 ويتوجَّب على الحكومة الكندية في أثناء المفاوضات المتعلقة بالمعاهدات أن تجري الاستشارات اللازمة، وأن تراعي عند الاقتضاء مصالح الجماعات التي لم تطالب بعد بحقوقها.

وأصدرت المحكمة العليا في عام 1996 حكماً قضى بإجراء اختبار يحدِّد الحقوق التي تحظى بحماية المادة 35 من الدستور، تلاه حكم ادّعت بموجبه المحكمة أنّ الحكم الذاتي هو فعلاً من بين تلك الحقوق.3 ووفقاً لاختبار فان دير بييت (Van der Peet)، يجب أن تتعلق المطالبات المقدّمة بموجب المادة 35 بالممارسات أو العادات أو التقاليد التي كانت جزءاً لا يتجزأ من ثقافة مميَّزة قبل اتِّصالها بالثقافة الأوروبية.4

تتفرّدُّ كل اتفاقية من اتفاقيات المعاهدة بحكم ذاتي خاص بها، وهي تعترف باختلاف الظروف التاريخية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها جماعات السكان الأصليين.5 فإحدى الاتفاقيات ذات النطاق الواسع، وهي اتفاقية نونافوت (Nunavut)، أقرَّت بإرساء حكم ذاتي ضمن إقليمٍ بأكمله في كندا وجميع السكان الذين يقطنون فيه، بينما استهدفت اتفاقيات أخرى مجموعات تشغل أراضٍ ولديها مطالبات أو اتفاقيات متعددة ترتبط بقضايا محددة كالتعليم على سبيل المثال. وتتعلق معظم المفاوضات بإرساء ولاية قضائية أو سلطة على مسائل داخلية ضمن مجموعة معيَّنة وثقافتها ومسائل أخرى ضرورية لعملها كحكومة أو كمؤسسة. واستناداً إلى هذا النهج، تندرج بعض المجالات ضمن الحكم الذاتي (في مجموعة من المجالات ومنها العضوية، والزواج، والخدمات الاجتماعية، والشرطة، وإدارة الموارد الطبيعية، والضرائب) وغيرها من المجالات التي تتعدّى آثارها حدود المجتمعات المحلية، وبالتالي فهي غير مدرجةٍ ضمن الحكم الذاتي (ومنها الطلاق، والعدالة، وإدارة الموارد البيئية، والعمل والتدريب).6

التكلفة

تشارك حكومة كندا في إعداد سياسة مالية تدعم الحكم الذاتي، وهي تلتزم تحقيق المصالحة مع الشعوب الأصلية بتجديد اعترافها بالروابط بين الأمم والحكومات وبالمَلكيَّة الإنوية القائمة على الاعتراف بالحقوق والاحترام والتعاون والشراكة.7 كذلك تلزم السياسة الحكومة الإنصاف في توزيع النواتج الاجتماعية والاقتصادية بين الشعوب الأصلية وغير الأصلية، والتشديد على أهميّة إرث الاستعمار في التسبُّب بانعدام المساواة. وخصّصت الميزانية الفيدرالية الأخيرة (2022) 11 مليار دولار كندي (أي حوالى 8.12 مليار دولار أمريكي) على مدى ستّ سنوات لأولويات الشعوب الأصلية. كذلك تقدِّم الحكومة الكندية منحاً تدعم من خلالها جميع الأنشطة المتصلة بمفاوضات التعاهد المتعلقة بالمطالبات بالأراضي والمطالبات بالحكم الذاتي.8

التقييم

يمكن أن تترتَّب على اتِّفاقات الحكم الذاتي آثار واسعة النطاق كونها تحسِّن القدرة على إدارة الشؤون الداخلية وتمنح المسؤولين سلطة أكبر في اتخاذ قرارات حول القضايا التي تؤثر على المجتمعات المحلية.9 ولكنَّ الحواجز التي تحول دون تحقيق المساواة والإدماج بين الشعوب الأصلية في كندا، والمظالم المستمرة التي تتطلَّب اتِّخاذ إجراءات عديدة، مثل إرث نظام المدارس الداخلية الذي كان يفصل أطفال السكان الأصليين عن أُسرهم قسراً وانتشار ممارسات العنف ضد نساء الشعوب الأصلية ما زالت تلقي بثقلها على أيِّ فرص للحلول.

وقد خلصت دراسة حديثة إلى أنَّ اتفاقيات المطالبات الشاملة بالأراضي واقترانها باتفاقيات الحكم الذاتي أدَّت إلى زيادة في متوسط دخل الأسرة السنوي في المجتمعات المحلِّيَّة المتضررة بمقدار 11,000 دولار كندي (أي 8,000 دولار أمريكي)، فأدّت هذه الزيادة إلى انخفاض في معامل جيني تراوح بين 2.8 و3.5 نقطة مئوية.10 وفي تقييم حكومي حديث (2018) تناول الحكم الذاتي للسكان الأصليين تبيَّن أن الحصول على اتفاقية الحكم الذاتي أدّى إلى زيادة بنسبة 41 في المائة في إجمالي دخل الرجال غير المسجلين من السكان الأصليين، و13 في المائة في هوية الرجال من السكان الأصليين، ولكنَّ التقييم لم يجد أيَّ تأثير قابل للقياس على إجمالي دخل النساء.11 كذلك أثمرت اتفاقات الحكم الذاتي آثاراً إيجابيةً غير ملحوظة على المشاركة في سوق العمل، والحد من اكتظاظ المساكن، وزيادة رفاه المجتمع المحلّي وتجدد الشعور بالفخر بالحكومات، لا سيما فيما يتعلق بالحق في انتخاب أعضاء الحكومات، والقدرة على اتِّخاذ القرارات المستقلة، وعلى إمكانيَّة المساءلة من المواطنين.12

معلومات إضافية

مارست الشعوب الأصلية أشكالاً متنوعةً من الحكم لآلاف السنين قبل وصول المستوطنين الاستعماريين إلى كندا. وفرض قانون الهنود لعام 1876 نظام حكم استعماري لا يزال يشير على الملأ إلى كيفية حكم معظم الشعوب الأصلية في كندا.13

المراجع

وسوم