Back to Home العربية
NYU Pathfinders logo
الشراء العام عبر الإنترنت: تونس

رقمنة الشراء العام لتحقيق الشفافية والشمول المالي في تونس

6 يونيو 2023
تأليف: رباب حطيط

في إطار المساعي الهادفة إلى إعادة بناء ثقة الأفراد في حكومتهم بعد ثورة عام 2011، خضع الإطار القانوني للشراء العام في تونس لمجموعة إصلاحات تضمّنت استحداث منصة متكاملة للشراء العام عبر الإنترنت (منظومة الشراءات العمومية عبر الخط – تونبس/ TUNEPS)، من أجل الاستعاضة عن النظام المركزي للشراء العام الذي يقوم على الاتصالات الورقية. وأدت هذه المنظومة الرقمية الفعّالة إلى تعزيز الشفافية من خلال نشر العطاءات وإجراءات الشراء العام للجمهور عبر الإنترنت، وإلى تحسين وصول المجموعات الأكثر عرضة للمخاطر الماليّة، بما فيها المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمشاريع المملوكة من نساء، إلى الشراء العام.

نجم عن ثورة تونس عام 2011 سلسلة من الإصلاحات التي هدفت إلى إعادة بناء ثقة الأفراد في حكومتهم، بما في ذلك استحداث نظام للشراء العام عبر الإنترنت لإبرام الصفقات المتعلقة بالمؤسسات العامة، مثل خدمات البناء والترميم والتنظيف والتموين والتجهيز بالمعدات. وفي ظلّ النظام المركزي القديم للشراء العام الذي يقوم على الاتصالات الورقية، كانت الشركات البعيدة عن العاصمة أكثر عرضة للإقصاء، إذ لم تكن تُبلّغ بالعطاءات بشكل مناسب، عدا عن أن ممثليها كانوا يُضطرون إلى السفر عدة مرات إلى تونس العاصمة للمشاركة في العطاءات العامة. وعلاوة على ذلك، كانت مخاطر الفساد أكثر شدّة بسبب انخفاض الشفافية.

ويذكر أن نظام الشراء العام عبر الإنترنت في تونس مستوحى من نظام المشتريات (KONEPS) في كوريا الجنوبية، وأُنشئ بالتعاون مع الوكالة الكورية للتعاون الدولي (KOICA)1 . وتشرف الهيئة العليا للطلب العمومي في تونس (HAICOP) على هذا النظام من خلال موقع إلكتروني يقوم على أربعة عناصر أساسية:

  • العطاءات الالكترونية: يتضمن الإعلان عن المناقصات واستلام العروض وفتحها أمام الجمهور.
  • العقود الالكترونية: يشتمل على صياغة أحكام التعاقد بين المشترين العامين والمناقصين الفائزين وتعديل العقود ذات الصلة والتوقيع عليها، فضلًا عن إجراء التقييمات والتحليلات الإحصائية في هذا المجال.
  • المنتج الإلكتروني: يتضمّن تسجيل المنتج وتحديد خصائصه وتصنيفه بحسب نظام التصنيف الدولي (مدونة الأمم المتحدة الموحدة للمنتجات والخدمات UNSPSC).
  • مركز التسوق الإلكتروني: يعد بمثابة سوق عبر الإنترنت لتمكين المشترين العامين من إبرام صفقات الشراء محدودة القيمة مع المزودين بطريقة مباشرة. وتستفيد من هذا العنصر بشكل أساسي المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي لا تتمتع بالموارد المالية الكافية للمشاركة في العطاءات الهامّة.2

من أجل المشاركة في عملية الشراء العام عبر الإنترنت، ينبغي على المشترين العامين والمزودين أن يتسجّلوا عبر منصة “تونيبس”، وأن يستحصلوا بعدئذ من الوكالة الوطنية للمصادقة الإلكترونية (ANCE)على شهادة إلكترونية يمكن استخدامها للتوقيع الإلكتروني على العقود. ويعدّ التوقيع الإلكتروني عنصرًا جوهريًّا في إبرام العقود.3

التنفيذ

بدأ العمل على مشروع الشراء الإلكتروني عام 2011، استنادًا إلى دراسة جدوى أجرتها الحكومة في ذلك الوقت. وفي عام 2013، تمت المصادقة على الإطار القانوني للشراء العام وأُطلقت النسخة التجريبية من منصة “تونيبس”، كما أبرمت أول عملية شراء إلكتروني عبر المنصة في عام 2014. وتعنى الهيئة العليا للطلب العمومي في تونس بإدارة المنصة وتحسين أدائها.4 وبموجب الأمر الحكومي 34 الصادر في أيار/مايو 2018، يتعين على جميع الوزارات والمؤسسات العامة غير الإدارية والشركات التابعة للدولة إبرام الصفقات المتعلقة بمشترياتها العامة حصرًا من خلال منصة “تونيبس”.5

التكلفة

لا تتوافر تقديرات واضحة لتكاليف تشغيل منصة “تونيبس”. لكن يذكر أن معظم عناصر المنصة طُوّرت بمساعدة تقنية من منظمات وجهات تمويل دولية، مثل الوكالة الكورية للتعاون الدولي وبرنامج تبادل المعرفة لجمهورية كوريا الجنوبية (KSP) ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) والمصرف الأوروبي للإنشاء والتعمير (EBRD).

المنصّة متاحة حاليًا لجميع المستخدمين بشكل مجاني، لكن الحكومة التونسية تنوي فرض رسوم في المستقبل لتغطية تكاليف صيانتها.6

التقييم

بحلول عام 2019، كانت المنصّة قد استُخدمت في إجراء 3350 عطاء إلكتروني، و6400 عملية شراء عام عبر مركز التسوق الإلكتروني التابع لها.7 وأفاد المشترون العامون أن السلع والخدمات التي تشترى عبر المنصّة أقل ثمنًا وأعلى جودة. وأعرب المزودون الذين اعتمدوا الشراء الإلكتروني عبر المنصة عن إيجاد سوق جديدة وهامة لمنتجاتهم.8 وفي عام 2015، مُنحت تونس جائزة “البطل الإقليمي”، وهي إحدى جوائز شراكة الحكومة المفتوحة التي تنظمها مبادرة شراكة الحكومة المفتوحة،9 نظرًا للنجاح الذي حققته المنصة فيما يتعلق بتطوير الخدمات العامة.10

وتساهم منظومة المنصة الإلكترونية في الحد من الممارسات الفاسدة، إذ تلتزم بمبدأ الشفافية في إجراء المناقصات، ما يمنع المسؤولين العامين من حجب المعلومات وإقصاء المناقصين غير المرغوب فيهم، ويحسّن الرقابة العامة. ويعزز النظام أيضًا الإدماج الاقتصادي للشركات الريفية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والمشاريع المملوكة من النساء والشباب، بما فيها خدمات الاستشارات والتموين والتزجيج والتغليف والعزل، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتوريد الأدوية والمعدات. ومن خلال التسجيل في مركز التسوق الإلكتروني، تستقطب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الأضواء وتصبح خدماتها متاحة للمشترين العامين بصرف النظر عن موقعها الجغرافي.

ومع ذلك، واجه البرنامج تعقيدات جمة عند وضعه موضع التنفيذ، إذ قاوم المزوّدون التغيير في بداية الأمر مُشتكين من صعوبة التسجيل فيه والاستفادة منه. وتعاملت الهيئة العليا للطلب العمومي في تونس مع هذه التحديات بمرونة وفطنة من أجل الوصول إلى تحسين نظام الشراء العام عبر الإنترنت، من خلال الاستفادة من الدعم التقنيّ الذي يقدّمه برنامج تبادل المعرفة لجمهورية كوريا الجنوبية ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي والمصرف الأوروبي للإنشاء والتعمير. ويذكر أن الهيئة العليا للطلب العمومي طوّرت مركز مساعدة للبرنامج، ونظمت دورات تدريبية، كما سعت إلى نشر الوعي في هذا المجال، مستهدِفة بشكل خاص المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ومن أجل تعزيز مشاركة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في البرنامج، أصدرت الحكومة التونسية أمرًا يقضي بإبرام 20 في المائة من عمليات الشراء العام سنويًّا مع أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما وضعت الحكومة سقفًا أعلى للشراء العام من مركز التسوق الإلكتروني يترواح بين 50,000 دينار تونسي (ما يوازي 29,411 دولار أمريكي) و200,000 دينار تونسي (ما يوازي 117,647 دولار أمريكي)،11 بالنسبة لعمليات الشراء العام محدودة القيمة. كذلك أتاحت الهيئة العليا للطلب العمومي إمكانية الدفع عبر الإنترنت من خلال إصدار نسخة إلكترونية من البرنامج للأجهزة المحمولة،12 كما قامت برقمنة شاملة لإجراءات الحصول على الشهادة الإلكترونية، حيث بات بالإمكان الاستغناء عن موجب السفر إلى العاصمة لإتمام هذه الإجراءات.13 مع ذلك، لم يبرم سوى 17 في المائة من إجمالي عمليات الشراء العام مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بحلول عام 2020، وذلك نظرًا لمحدودية الإمكانات المادية لهذه المشاريع في بعض المناطق.14

وتتضمّن تبعات اعتماد “تونبس” غير المقصودة زيادة المشاركة الدولية في عطاءات الشراء العام في تونس، ما أدى إلى زيادة المنافسة في الأسواق المحلية وأفاد النظم العامة. ويذكر أن نسبة مناقصات الشراء العام الممنوحة لمناقصين دوليين بلغت 33 في المائة في عام 2022 .15

المراجع

وسوم